إن كان من مفاجأة في الانتخابات الأمريكية فهي النتائج التي حققها الرئيس دونالد ترمب، فقد كان متوقعا أن يتلقى خسارة كبيرة، جراء عدة عوامل على رأسها إدارة المعركة مع فايروس كورونا.
حقق الرئيس ترمب في سنواته الثلاث الأول أرقاما اقتصادية كبيرة، على مستوى النمو وخفض نسب البطالة، وساهم في تعديل الميزان التجاري مع الصين بعض الشيء، وأتى ذلك مع زيادة صادرات أمريكا من السلع الغذائية للصين بقيمة خمسين مليار دولار.
لم يكن رئيسا تقليديا ولا خرج من المدرسة الكلاسيكية للسياسة الأمريكية، لكن فوزه في 2016 كان مؤشراً على أن الأمريكان سئموا الساسة المعتادين، ومؤشرا على أن حملته لمست زوايا في الوجدان الأمريكي، لم تكن في خطط أغلب الساسة الأمريكيين.
السنة الأخيرة كانت سنة كبيسة بمعنى الكلمة على ترمب، فمن كان يتوقع أن تصبح أمريكا في أقصى الغرب، أكبر متضرر من كوفيد-١٩ والذي خرج من ووهان الصينية في أقصى الشرق، وأن يزيد ذلك قضية جورج فلويد، والتي لم تصمد أمامها أرقام ترمب في الخفض الكبير لنسبة البطالة بين السود الأمريكيين.
عامل مهم أسهم كثيرا في خسارة ترمب، وهو اعتبار جل الإعلام الأمريكي نفسه طرفا في الانتخابات الأمريكية، فلم تكن الدعاية الإعلامية ذات مرشح مفضل، بل كان لها خصم واضح، استعرت ضده الحملة الإعلامية بداية من تزايد أعداد المصابين بفايروس كورونا، لصنع صورة ذهنية تشدد في قدرة القائد على التعامل مع الأزمات.
ونتيجة لذلك شهدت أمريكا استقطابا كبيرا وانقساما واضحا، ففي عدة ولايات كانت الأرقام متقاربة للغاية، كما أن الانتخابات شهدت زيادة كبيرة غير مسبوقة في التاريخ لعدد المشاركين في الانتخابات، وانضم للمصوتين سكان الريف ممن كانوا عادة لا يشاركون في الانتخابات ولا يعتقدون بقدرتهم على التغيير.
هذا الانقسام الحاد وغير المسبوق يمثل تهديدا ملحا للولايات المتحدة، باعتبارها القوى الكبرى في العالم، وتحظى بمراقبة ومنافسة من الصين لاختطاف هذه المكانة، وتحديات سياسية وعسكرية روسية في أوروبا والشرق الأوسط، وهو ما يجعل توحيد الأمريكيين ضرورة قبل خوض الملفات الخارجية.
وبخلاف انتخابات 2016 حين سئل المرشحون للرئاسة عن حلب، في 2020 لم يسأل أحد عن سوريا، وربما كان الحاضر الوحيد من الشرق الأوسط هو إسرائيل، والتي يعد بايدن بالدعم الكبير لها، وهذه إحدى نقاط التباين بينه وبين أوباما.
تناول العرب وجيرانهم كعادتهم الانتخابات الأمريكية على طريقة مباريات كرة القدم، وسادت التحليلات السطحية حول مسار الأمور إذا فاز جو بايدن أو إذا استمر دونالد ترمب، ولم يستفيدوا من الدرس الأخير، وهو نهج ترمب الذي لم يكن مقلقا كما بدا وقت الحملة الانتخابية، ولا مندفعا كما تمنى البعض في ملفات عدة.
نائب الرئيس ليس نسخة طبق الأصل من رئيسه، فلا بينس نسخة من ترمب، ولا بايدن سيكون نسخة من أوباما، وربما المثال الأبرز كنائب رئيس هُو ديك تشيني والذي بكل تأكد لم يكن يشبه جورج دبليو بوش تماما، هذا لا يعني وجود توافق في ملفات رئيسية، لكن الاختلافات موجودة والمقاربات بطبيعة الحال مختلفة.
هناك واقع سياسي اليوم مختلف عن ما كانت عليه المنطقة قبل سنوات، هناك خطوات حققت منافع أمريكية مثل العقوبات على إيران، لا يمكن التفاوض اليوم قبل أن تكون العقوبات ورقة قوة لواشنطن، وهناك ممارسات إيرانية على مستوى نشر الصواريخ البالستية واستهداف القوات الأمريكية في العراق، ورفع نسب تخصيب اليورانيوم، لا يمكن تجاهلها في أي اتفاق قادم.
هناك تركيا التي تكلم بايدن صراحة عن إسقاط أردوغان ديموقراطيا، تركيا اليوم ليست تلك التي زارها أوباما، بل هي الدولة التي تقاتل في سوريا وترعى الإرهابيين، وتصدر المرتزقة إلى ليبيا وإلى الحدود بين أذربيجان وأرمينيا، وتتحالف مع روسيا وإيران، بالرغم من أنها عضو في الناتو.
كما أن وحدة أمريكا وقوتها مهم لها ولحلفائها، فإن أمريكا دائما تحركها المصالح، والتعامل مع الأقوياء، فالقوي دائما لديه مقعد على الطاولة، لكن ما يزيدنا قوة أن يكون لنا جبهة عربية موحدة، تضم قوى الاعتدال في المنطقة، لأن التحديات الجيوسياسية قائمة في المنطقة منذ أربعة عقود، والتي تعاقبت فيها عدة إدارات أمريكية، لكن تبقى الإرادة العربية هي الرادع الحقيقي لهذه التحديات.
كاتب سعودي
Twitter: @aAltrairi
Email: me@aaltrairi.com
حقق الرئيس ترمب في سنواته الثلاث الأول أرقاما اقتصادية كبيرة، على مستوى النمو وخفض نسب البطالة، وساهم في تعديل الميزان التجاري مع الصين بعض الشيء، وأتى ذلك مع زيادة صادرات أمريكا من السلع الغذائية للصين بقيمة خمسين مليار دولار.
لم يكن رئيسا تقليديا ولا خرج من المدرسة الكلاسيكية للسياسة الأمريكية، لكن فوزه في 2016 كان مؤشراً على أن الأمريكان سئموا الساسة المعتادين، ومؤشرا على أن حملته لمست زوايا في الوجدان الأمريكي، لم تكن في خطط أغلب الساسة الأمريكيين.
السنة الأخيرة كانت سنة كبيسة بمعنى الكلمة على ترمب، فمن كان يتوقع أن تصبح أمريكا في أقصى الغرب، أكبر متضرر من كوفيد-١٩ والذي خرج من ووهان الصينية في أقصى الشرق، وأن يزيد ذلك قضية جورج فلويد، والتي لم تصمد أمامها أرقام ترمب في الخفض الكبير لنسبة البطالة بين السود الأمريكيين.
عامل مهم أسهم كثيرا في خسارة ترمب، وهو اعتبار جل الإعلام الأمريكي نفسه طرفا في الانتخابات الأمريكية، فلم تكن الدعاية الإعلامية ذات مرشح مفضل، بل كان لها خصم واضح، استعرت ضده الحملة الإعلامية بداية من تزايد أعداد المصابين بفايروس كورونا، لصنع صورة ذهنية تشدد في قدرة القائد على التعامل مع الأزمات.
ونتيجة لذلك شهدت أمريكا استقطابا كبيرا وانقساما واضحا، ففي عدة ولايات كانت الأرقام متقاربة للغاية، كما أن الانتخابات شهدت زيادة كبيرة غير مسبوقة في التاريخ لعدد المشاركين في الانتخابات، وانضم للمصوتين سكان الريف ممن كانوا عادة لا يشاركون في الانتخابات ولا يعتقدون بقدرتهم على التغيير.
هذا الانقسام الحاد وغير المسبوق يمثل تهديدا ملحا للولايات المتحدة، باعتبارها القوى الكبرى في العالم، وتحظى بمراقبة ومنافسة من الصين لاختطاف هذه المكانة، وتحديات سياسية وعسكرية روسية في أوروبا والشرق الأوسط، وهو ما يجعل توحيد الأمريكيين ضرورة قبل خوض الملفات الخارجية.
وبخلاف انتخابات 2016 حين سئل المرشحون للرئاسة عن حلب، في 2020 لم يسأل أحد عن سوريا، وربما كان الحاضر الوحيد من الشرق الأوسط هو إسرائيل، والتي يعد بايدن بالدعم الكبير لها، وهذه إحدى نقاط التباين بينه وبين أوباما.
تناول العرب وجيرانهم كعادتهم الانتخابات الأمريكية على طريقة مباريات كرة القدم، وسادت التحليلات السطحية حول مسار الأمور إذا فاز جو بايدن أو إذا استمر دونالد ترمب، ولم يستفيدوا من الدرس الأخير، وهو نهج ترمب الذي لم يكن مقلقا كما بدا وقت الحملة الانتخابية، ولا مندفعا كما تمنى البعض في ملفات عدة.
نائب الرئيس ليس نسخة طبق الأصل من رئيسه، فلا بينس نسخة من ترمب، ولا بايدن سيكون نسخة من أوباما، وربما المثال الأبرز كنائب رئيس هُو ديك تشيني والذي بكل تأكد لم يكن يشبه جورج دبليو بوش تماما، هذا لا يعني وجود توافق في ملفات رئيسية، لكن الاختلافات موجودة والمقاربات بطبيعة الحال مختلفة.
هناك واقع سياسي اليوم مختلف عن ما كانت عليه المنطقة قبل سنوات، هناك خطوات حققت منافع أمريكية مثل العقوبات على إيران، لا يمكن التفاوض اليوم قبل أن تكون العقوبات ورقة قوة لواشنطن، وهناك ممارسات إيرانية على مستوى نشر الصواريخ البالستية واستهداف القوات الأمريكية في العراق، ورفع نسب تخصيب اليورانيوم، لا يمكن تجاهلها في أي اتفاق قادم.
هناك تركيا التي تكلم بايدن صراحة عن إسقاط أردوغان ديموقراطيا، تركيا اليوم ليست تلك التي زارها أوباما، بل هي الدولة التي تقاتل في سوريا وترعى الإرهابيين، وتصدر المرتزقة إلى ليبيا وإلى الحدود بين أذربيجان وأرمينيا، وتتحالف مع روسيا وإيران، بالرغم من أنها عضو في الناتو.
كما أن وحدة أمريكا وقوتها مهم لها ولحلفائها، فإن أمريكا دائما تحركها المصالح، والتعامل مع الأقوياء، فالقوي دائما لديه مقعد على الطاولة، لكن ما يزيدنا قوة أن يكون لنا جبهة عربية موحدة، تضم قوى الاعتدال في المنطقة، لأن التحديات الجيوسياسية قائمة في المنطقة منذ أربعة عقود، والتي تعاقبت فيها عدة إدارات أمريكية، لكن تبقى الإرادة العربية هي الرادع الحقيقي لهذه التحديات.
كاتب سعودي
Twitter: @aAltrairi
Email: me@aaltrairi.com